رستم ليس باشا إقطاعيا كما يوحي إسمه, في الواقع مهنته أقل تواضعا من مهنة الباشا الإقطاعي ولكنها تفوقها أهمية -على الاقل بالنسبة لي- فهو حاليا حلاق ويقوم بجز شعري مرة كل ستة أسابيع.
رستم كما إكتشفت لاحقا, سوري الجنسية, من مدينة القامشلي على الحدود التركية وهو أيضا كردي (القامشلي مدينة ذات أغلبية كردية و الأكراد لغتهم الأم الكردية), وهو ليس حلاقا بالأصل, لكن لزوم أكل العيش ممكن يبقى سفير البرازيل في منيا القمح لو تطلب الأمر.
هرب رستم من بلده بسبب ويلات الحرب وضنك العيش وجاء إلى سويسرا طلبا لعون أخيه الذي يعيش هنا ويملك دكان كوافير شرك مع اخر تركي الجنسية. رستم لا يتحدث الفرنسية -اللغة الرسمية هنا- مما يجعله عاجز عن أداء جزء أصيل من مهنته وهو الرغي مع الزبون. لذلك يجد رستم فرصة مع زبون مثلي يتحدث العربية -التي يجيد رستم لهجتها الشامية- مخرجا لتنفيس زهقه بالحكاوي.
في الحقيقة, معرفتي برستم وإختياري له للحلاقة ترجع للصدفة أولا والأسباب التالية الذكر ثانيا, فمنذ ان وضعت أقدامي في سويسرا وأنا أحلق عند أقرب حلاق من محيط المنزل وقد نقلت سكني 4 مرات مما يعني تَغيير 4 حلاقين/حلاقات أو كوافيرات لو أردنا الدقة, تعلمت معهم أن للحلاقين معهد مدة الدراسة فيه 3 سنوات, أن سعر الحلاقه حوالي 50 فرنك أو مايوازي 400 جنيه مصري فقط لا غير, وأن الحلاقين يهووا الكلام بسبب وبدون سبب في جميع أنحاء العالم.
طبعا مهما تشابه الحلاق السويسري مع نظيره المصري من ناحية الرغي فمن ناحية النظام فشتان الفرق, في سويسرا, الحلاق بميعاد, يجب الإتصال الحجز قبل الموعد بعدة أيام. أما بالنسبة للمواعيد, فهي تماما كمواعيد العمل الرسمية, فيصبح من شبه المستحيل حلاقه الشعر بدون الاستئذان من الشغل أو الاستيقاظ مبكرا يوم السبت, وهو -لمن يعرفني- من رابع المستحيلات, فلكل هذه الأسباب أصبحت مهمة جز شعري ثقيلة على قلبي .
عوده لمعرفتي برستم, لسبب طارئ احتجت للحلاقة يوم سبت بعد الظهيرة بدون أخذ ميعاد. وبفضل السيد جوجل توصلت لعنوان رستم الذي يقع على بعد 10 دقائق من بيتي واكتشفت بعد اتصالي أن مواعيد العمل سبهلله وانهم لا يشترطوا الحجز, وأيضا أجرة الحلاقة أقل! ثلاثة عصافير بحجر واحد.
في البداية ظننته تركيا وذلك لعدم اجادتي للكردية التي يتحدث بها مع أخوه الذي يترجم ماأقوله بالفرنسية, وطبعا بسبب شكلي المثير للشبهات, سألني أخوه عن أصلي ولما عرف أني مصري ابتهج وتحدث بالعربية معرفا إياي بأخاه.
شكي لي رستم من زيارته لمصر عام 2005 -في زيارة لم أفهم السبب الرئيسي منها- أنه عاش في حي السيده زينب لمدة 3 شهور وكيف عاني من فضول وسخافه المصريين واشتياقه للعيش الشامي, حيث أن العيش المصري -علي حد قوله- “ملبك”
رستم مثال للراجل الغلبان, فقد اصدقائه وأسرته, يعيش في بلد غريب , لا يتكلم لغته ويفتقد العيش الشامي الطازج.